قال ابن عباس ومجاهد: الأيد: القوة في الطاعة. يعني ذا قوة في العبادة والعمل الصالح، قال قتادة: أعطى قوة في العبادة فقها في الإسلام، قال: وقد ذكر لنا أنه كان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر.
وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "احب الصلاة إلي الله صلاة داود، وأحب الصيام إلي الله صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى"
{ إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق * والطير محشورة، كل له أواب } (سورة ص:18ـ19)
كما قال:
{ يا جبال أوبي معه والطير } (سورة سبأ:10)
أي: سبحي معه.
قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد في تفسير هذه الآية: (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق) أي: عند آخر النهار وأوله، وذلك أنه كان الله تعالى قد وهبه من الصوت العظيم ما لم يعطه أحداً، بحيث أنه كان إذا ترنم بقراءة كتابه يقف الطير في الهواء يرجع بترجيعه ويسبح بتسبيحه، وكذلك الجبال تجيبه وتسبح معه كلما سبح بكرة وعشيا، صلوات الله وسلامه عليه.
وقال أبو عوانة الأسفراييني: حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا محمد بن منصور الطوسي، سمعت صبيحاً أبا تراب، ح، قال أبو عوانة: وحدثني أبو العباس المدني، حدثنا محمد بن صالح العدوي، حدثنا سيار هو ابن حاتم، عن جعفر، عن مالك، قال: كان داود عليه السلام إذا أخذ في قراءة الزبور تفتقت العذارى، وهذا غريب. وقال عبد الرزاق عن ابن جريج: سألت عطاء عن القراءة على الغناء، فقال: وما بأس بذلك؟ سمعت عبيد بن عمران يقول: كان داود عليه السلام يأخذ المعرفة فيضرب بها فيقرأ عليها فترد عليه صوته يريد بذلك أن يبكي ويبكي.
وقال الإمام احمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت أبي موسى الأشعري وهو يقرأ فقال: "لقد أوتى أبو موسى من مزامير آل داود"
وهذا على شرط الشيخين ولم يخرجاه من هذا الوجه.
وقال احمد: حدثنا حسن، حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لقد أعطى أبو موسى من مزامير داود" على شرط مسلم.
وقد روينا عن أبي عثمان النهدي أنه قال: لقد سمعت البربط والمزمار، فما سمعت صوتا احسن من صوت أبي موسى الأشعري. وقد كان مع هذا الصوت الرخيم سريع القراءة لكتابه الزبور،
كما قال الإمام احمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خفف على داود القراءة، فكان يأمر بدابته فتسرج، فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته، وكان لا يأكل إلا من عمل يديه"
وكذلك رواه البخاري منفرداً به عن عبد الله بن محمد، عن عبد الرزاق به، ولفظه: "خفف على داود القرآن، فكان يأمر بدوابه فتسرج، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه ولا يأكل إلا من عمل يديه". ثم قال البخاري: ورواه موسى بن عقبة، عن صفوان هو ابن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أسنده ابن عساكر في ترجمة داود عليه السلام في "تاريخه" من طرق عن إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة، ومن طريق أبي عاصم عن أبي بكر السبري، عن صفوان بن سليم به. والمراد بالقرآن هاهنا الزبور الذي أنزله عليه وأوحاه إليه. وذكر رواية أشبه أن يكون محفوظاً فإنه كان ملكاً له أتباع، فكان يقرأ الزبور بمقدار ما تسرج الدواب، وهذا أمر سريع مع التدبر والترنم والتغني به على وجه التخشع، صلوات الله وسلامه عليه.
وقد قال الله تعالى:
{ وآتينا داود زبوراً } (سورة النساء:163